كيف ساهمت خدمة عملاء زابوس في مضاعفة أرباحها؟

في عالم التجارة الإلكترونية المتسارع، يبرز اسم شركة زابوس كأحد أبرز النماذج التي تميزت بخدمة العملاء الاستثنائية. فقد نجحت الشركة في تحويل كل عملية شراء إلى تجربة فريدة تترك أثرًا إيجابيًا لدى العملاء، مما ساهم في زيادة ولائهم وتعزيز سمعتها في السوق، فضلاً عن مضاعفة أرباحها 1000 مرة خلال سنوات قليلة.

في هذه المقالة، ستتعرف على تجربة شركة زابوس الفريدة، حيث نستعرض نجاحها الكبير في مجال التجا رة الإلكترونية عند التركيز بشكل أساسي على تطوير منظومة خدمة العملاء، وكيف يمكن لتلك التجربة أن تلهم أصحاب المتاجر الإلكترونية.

زابوس – خدمة العملاء أولًا وأخيرًا

تأسست شركة زابوس بواسطة السيد نيك سوينمرن في عام 1999 كموقع إلكتروني متخصص في تجارة الأحذية عبر الإنترنت بعنوان ShoeSite؛ لتُصبح بذلك ضمن أولى الشركات التي تخصصت في مجال التجارة الإلكترونية في بداية عصر  الإنترنت.

بدأ سوينمرن بعد ذلك في البحث عن مستثمرين لضخ الأموال في شركته النائشة؛ فقد كان مفهوم التجارة الإلكترونية حديث العهد آنذاك. وأخيرًا تمكن سوينمرن في الحصول على تمويل من السيد طوني شاي، الذي كان يدير شركة صغيرة تُدعى Venture Frogs مُتخصصة في الاستثمار المُجازف؛ فقد قرر شاي ضخ استثمار بقيمة 1.1 مليون دولار في زابوس ليصبح شريكًا تنفيذيًا في إدارة الشركة.

أصبحت شركة زابوس مثالًا على تأسيس شركة بأكملها حول مفهوم خدمة العملاء. فقد ظل شاي وسوينمرن يفكرون في الطرق المختلفة والمبتكرة لتطوير خدمة العملاء خلال السنوات الأولى للشركة. وقد بدأ الأمر أولًا بخدمات مختلفة وفريدة مثل التوصيل والإرجاع المجاني. ولكن سرعان ما فقدت زابوس هذه الأفضلية التنافسية بسبب سهولة تطبيقها من قبل الشركات الأخرى. وهنا تحتم على سوينمرن وشاي إيجاد فكرةً إبداعيةً لتحقيق الأفضلية التنافسية مرةً أخرى.

عند النظر إلى إحصائيات الشراء بالشركة، وجد شاي أن كل عميل يتصل بالشركة على الأقل مرةً واحدة مع كل عملية شراء. وهنا جاءت فكرة تطوير خدمة العملاء؛ فقد أدرك شاي وسوينمرن فرصة استغلال هذه المكالمة في بناء رابط عاطفي فريد مع العملاء يُضفي حالةً من «الإبهار» حول مدى قوة خدمة العملاء بالشركة. 

ومع التزام الشركة بتقديم الخدمة الأمثل لعملائها، ظلت زابوس ترفع في مدة إرجاع المنتجات حتى وصلت إلى 365 يومًا من تاريخ الشراء! ليس هذا فحسب؛ بل إن زابوس أيضًا لا تُكلف عملائها أي مصاريف شحن عند إرجاع المنتجات. 

بالطبع تواجه أغلب المتاجر  صعوباتٍ عدة في تطبيق مثل هذه السياسات. ولكن يظل وجود سياسة مرتجعات واضحة بالمتجر ضمن أقوى العوامل التي تُحفز  العملاء على الشراء. فهذه السياسات ضمن أقوى العوامل التي تُطمئن العملاء وتُحفزهم على الشراء.

تتبع شركة زابوس استراتيجيةً أخرى مثيرةً للاهتمام؛ إذ تحرص على ضمان ولاء موظفيها للثقافة الداخلية للشركة التي تتمحور حول خدمة العملاء. وذكر طوني شاي – حسب تقرير بلومبرغ – أنه كان يعرض على الموظفين الجُدد مبلغ 2000 دولار مقابل مغادرتهم الشركة إذا كانوا غير راضين عن ثقافة خدمة العملاء في زابوس!

وأضاف شاي في أحد اللقاءات الصحفية، طبقًا للتقرير، أن نسبة الموظفين الذين قبلوا العرض وغادروا الشركة كانت تتراوح بين 2 إلى 3% فقط. وهو ما يؤكد على ولاء أغلب الموظفين لشركة وثقافتها التي تضع خدمة العملاء في المقام الأول. 

الاتصال الشخصي العاطفي 

تهدف زابوس إلى بناء روابط عاطفية طويلة الأمد لتصبح العلاقة بين الشركة والعملاء علاقةً عائليةً قبل أن تكون علاقةً تجاريةً. وبالفعل، صاغت الشركة مفهومًا جديدًا في سياستها لخدمة العملاء، وهو الاتصال الشخصي العاطفي (PEC). وتستهدف زابوس بهذا المفهوم أن تكون محادثات خدمة العملاء طبيعيةً إلى حد كبير؛ حتى يشعر العميل أن الموظف المسؤول يهتم لأمره ويبذل أقصى ما عنده لحل مشاكله.

يذكر السيد طوني شاي في مقالته على Harvard Business Review أحد الأمثلة على الاتصال الشخصي العاطفي مع عملاء زابوس. وهي سيدة طلبت إرجاع بعض المنتجات وتخلفت عن استكمال الإجراءات بسبب مرورها بحالة وفاة داخل الأسرة. وهنا تُسرع خدمة عملاء زابوس في إرسال باقة من الزهور في بادرة عزاء جعلتها عميلًا وفيًا للشركة «مدى الحياة» حسب تعبير شاي. 

هذه البادرات اللطيفة سهلة التطبيق على أرض الواقع؛ فهي تعتمد بشكل أساسي على المعاني الرمزية التي توطد العلاقة بين العميل والعلامة التجارية. وطبقًا لتجربة زابوس، قد تساهم هذه السياسة في تكوين قطاع كبير من العملاء الأوفياء؛ ما يؤدي إلى تعزيز حالة التسويق الشفهي التي لا تتطلب أي مجهود من الشركة.

لوحة في مقر زابوس تُظهر ثقافتها التي تعتبر «العملاء جزءًا من العائلة» – مصدر الصورة: زابوس

لا يستخدم موظفو خدمة العملاء في زابوس أي نصوص أو عبارات مُعدة مسبقًا عند الرد على العملاء؛ إذ أتاحت لهم الشركة الحديث بطريقة طبيعية مع ضرورة إبداء طابع عاطفي خلال المحادثة، كما قررت زابوس أيضًا التخلي عن أي قيود زمنية في محادثات خدمة العملاء. 

وبالفعل، سجلت الشركة أطول محادثات خدمة العملاء في التاريخ؛ محادثة استمرت 10 ساعات دون توقف! والغريب أن هذه المحادثة لم تكن بغرض حل مشكلة ما يتعرض لها العميل، بل ذكرت الشركة أن أغلب المحادثة كانت نقاشات عامة حول نظام الحياة في لاس فيغاس، ما يؤكد على التزام الشركة ببناء الروابط العاطفية مع عملائها. 

ولكن الطريف هنا أن هذه المكالمة انتهت بشراء العميل زوجًا من أحذية زابوس!

قد تكون هذه السياسة في المكالمات صعبة التطبيق، ولكن الشاهد هنا أن يعمل فريق خدمة العملاء على إعطاء العميل حريته الكاملة في التحدث ووصف المشكلة التي تؤثر بالسلب على تجربته في المتجر، وذلك حتى تتمكن الشركة من تقديم الحل الأمثل لمشكلته، وتحقيق رضاء العملاء الذين سيصبحون بالضرورة عملاءً أوفياء للشركة على المدى الطويل. 

تسعى زابوس أيضًا إلى إبراز طرق ووسائل الاتصال بفريق خدمة العملاء بشكل مستمر؛ وكأنها تُحفز العملاء على الاتصال فورًا بالشركة حال وقوع أي مشاكل. وهنا يظهر الفرق بين زابوس والمتاجر الإلكترونية الأخرى التي تُلقي دائمًا بوسائل الاتصال بعيدًا في أسفل صفحات الموقع، كما أنها غالبًا ما تكون عناوين للبريد الإلكتروني. بعكس زابوس التي تضع رقم هاتف خدمة العملاء أعلى كل صفحة من صفحات متجرها الإلكتروني.

زابوس تنضم إلى نادي المليار دولار

في غضون 10 سنوات من تأسيس الشركة، أصبحت زابوس معروفةً بقوة منظومتها في خدمة العملاء. وقد اعتمدت الشركة في سنواتها الأولى على التسويق الشفهي بشكل رئيسي؛ حيث استهدفت الشركة دائمًا «إبهار» عملائها بمستوى الخدمة المُقدمة عند الاتصال بقنوات خدمة العملاء المختلفة. وبالطبع، انتهى هذا الزخم بلفت أنظار العملاق الأمريكي «أمازون». 

حاولت أمازون شراء هذه الشركة بسبب تفوقها في خدمة العملاء؛ إذ تسعى دائمًا إلى رفع مستوى خدمة العملاء بمتجرها، رغم أنه لم ولن يصل إلى مستوى زابوس بالطبع. كما أثبتت زابوس أيضًا تفوقها الكبير في مجال تجارة الأحذية على الإنترنت؛ حيث فكرت أمازون أن تعتمد عليها بشكل كبير في هذه التجارة. ولكن وسط هذا النجاح الكبير لشركة زابوس؛ لماذا توافق الشركة على صفقة أمازون بالاستحواذ عليها؟

أولًا، انتهزت أمازون الظروف الطاحنة التي مرت بها زابوس في عام 2009، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثرت سلبًا على كافة الشركات بين عام 2007 و2008. ثانيًا، كان عرض أمازون مُغريًا إلى حد كبير؛ فقد بلغت الصفقة 928 مليون دولار تقريبًا، ما يجعلها آنذاك الصفقة الأضخم على الإطلاق في تاريخ أمازون (طبقًا لصحيفة النيويورك تايمز). كما تعهدت أمازون لشركة زابوس أنها ستظل كيانًا مستقلًا بشكل كامل، حيث تتمكن الشركة من الحفاظ على ثقافتها ومبادئها التي تتمحور حول خدمة العملاء.

ولكن في رأيي، كان تقييم أمازون لشركة زابوس هي النقطة الأقوى في هذه الصفقة. فقد قيَّمت أمازون شركة زابوس بقيمة سوقية إجمالية تصل إلى 1.2 مليار دولار عند إتمام الاستحواذ، لتتمكن زابوس من الانضمام إلى نادي المليار دولار بعد أقل من عشرة أعوام فقط من تأسيسها.

الدروس المستفادة

قدمت زابوس مثالًا قويًا على مدى تأثير الاهتمام بخدمة العملاء في التجارة الإلكترونية؛ فقد نجحت الشركة في مضاعفة أرباحها بشكل جنوني خلال السنوات الأولى من تأسيسها، وكانت كلمة السر دائمًا هي «خدمة العملاء». فعلى سبيل المثال، نجحت زابوس في تحقيق أرباح تتخطى 1 مليار دولار بحلول عام 2008، بعد أن بلغت أرباحها بعد السنة الأولى من تأسيسها 1.6 مليون دولار، أي أن شركة ضاعفت أرباحها 1000 مرة في مدة تقل عن العشرة أعوام!

أرباح زابوس السنوية من عام 2000 حتى عام 2009 – المصدر: شركة زابوس

نلاحظ هنا أن زابوس لم تبتكر أي خدعة (أو فقاعة) تسويقية كما يحدث مع أغلب الشركات ذات الصعود الصاروخي المماثل؛ بل إنها اعتمدت بشكل رئيسي على التسويق الشفهي وتناقل تجارب العملاء عبر المنصات المختلفة على الإنترنت. بهذه الاستراتيجية أصبحت كل عملية شراء بمثابة حملة تسويقية قائمة بذاتها، دون أن تتكبد الشركة أي مصاريف إضافية؛ حيث اعتمدت فقط على «الكلمة الطيبة» بجانب رسالتها في حل أي مشكلة تظهر أمام العملاء.

ولهذا تُعد هذه الاستراتيجية ضمن أسهل الاستراتيجيات التي يُمكن تطبيقها في أعمال التجارة الإلكترونية المحدودة؛ فقط التزم بالكلمة الطيبة مع عملائك، واحرص دائمًا على حل مشاكلهم، وترقب التأثير القوي لـ «سحر الكلمة». فهذه التجربة أثبتت لنا بلا شك أن القسم الأهم في أي شركة هو «خدمة العملاء».

نصائح لأصحاب المتاجر الإلكترونية الناشئة

يمكن لأصحاب المتاجر الإلكترونية تعزيز نجاحهم بشكل كبير من خلال استلهام تجربة زابوس في التركيز على خدمة العملاء، حيث أظهرت هذه التجربة أن تحسين تجربة خدمة العملاء وزيادة ولائهم يمكن أن يؤدي بشكل مباشر إلى رفع نسب تحويل العملاء المحتملين إلى عملاء فعليين وزيادة المبيعات.

يتحقق ذلك من خلال إنشاء نظام خدمة عملاء احترافي يضع نجاح العملاء في الأولوية منذ اللحظة الأولى للتواصل. وهنا يأتي دور الأدوات الاحترافية مثل برنامج زيتون، الذي يتيح للشركات والمؤسسات تقديم تجربة تواصل وخدمة عملاء استثنائية عبر توفير دردشة مباشرة، مركز مساعدة، وقاعدة معرفة، مما يسهم في تحسين تجربة العملاء بشكل كامل.