أصبحت تقنيات الواقع المعزز (AR) ضمن أبرز التقنيات المستخدمة في عالم التجارة الإلكترونية، حيث أثبتت جدارتها في سد الفجوة بين المتاجر التقليدية والمتاجر الافتراضية. وتعتمد فكرة هذه التقنيات على بناء بيئة افتراضية وتفاعلية حول المستخدم، يمكن الوصول إليها عبر كاميرا الهاتف الذكي. ولهذا تبنّت المنصات الكبرى استخدامها في مجال التجارة الإلكترونية، بهدف إنشاء متاجر افتراضية تُمكّن العملاء من استكشاف المنتجات بشكل أعمق.
وبالفعل؛ نجحت تقنيات الواقع المُعزز في تقديم تجربةً غامرةً للمستخدمين داخل المتاجر الإلكترونية؛ إذ أتاحت هذه التقنيات تجربة العديد من المنتجات المختلفة بشكل افتراضي يُحاكي الواقع بمعدلات عالية جدًا من الدقة. وقد حققت هذه التقنيات نجاحات عدةً في مجال التجارة الإلكترونية؛ ما دفع منصة شوبيفاي الشهيرة إلى إنشاء صفحةً على موقعها لحث مستخدميها على تبني هذه التقنيات.
نبذة عن استخدام تقنيات الواقع المُعزز في التجارة الإلكترونية
تنتشر تقنيات الواقع المُعزز بشكل واسع في متاجر المنتجات القابلة للارتداء؛ مثل الملابس والأحذية والنظارات. فعلى سبيل المثال؛ تستخدم شركة النظارات Warby Parker تقنيات الواقع المُعزز لتمنح عملائها فرصةً لتجربة الأشكال المختلفة لمنتجاتها باستخدام الكاميرا عبر التطبيق الخاص بالمتجر.
وامتدت هذه التقنيات الواعدة إلى مجال تجارة الأثاث، بل إنها قد تكون ضروريةً في هذه التجارة تحديدًا؛ إذ تسعى المتاجر الإلكترونية بهذا المجال إلى تخفيض معدل المرتجعات. ذلك بسبب ضخامة منتجات الأثاث وصعوبة شحنها ونقلها عدة مرات. وهنا يظهر الدور الفعّال لتقنية الواقع المُعزز؛ فالعميل الآن قادرٌ على معاينة وتجربة الأثاث في منزله «افتراضيًا» قبل اتخاذ قرار الشراء بشكل نهائي.
وعلى ذكر الأثاث؛ نتحدث تحديدًا عن شركة IKEA الرائدة في هذا المجال منذ عام 1943. فقد كانت أيكيا في طليعة الشركات التي دعمت مفهوم التجارة الإلكترونية، وذلك منذ عام 2001 عندما أطلقت أيكيا متجرها الإلكتروني الأول بالسويد والدنمارك. وفي عام 2017؛ أطلقت الشركة السويدية تطبيق IKEA Place، مُعلنةً وصول تقنيات الواقع المُعزز الثورية إلى متجرها الإلكتروني.
نُقدم في هذه المقالة تغطيةً شاملةً لتجربة أيكيا الناجحة بلا شك. كما نستكشف مزايا الدمج بين تقنيات الواقع المُعزز والتجارة الإلكترونية، وتحديدًا في تجارة الأثاث؛ مرورًا بالتحديات التي تواجهها الشركات لتبنِّي هذه التقنيات.
IKEA Place – مثال حي للواقع المُعزز في التجارة الإلكترونية
يُقدم تطبيق IKEA Place خدمات الواقع المُعزز للمستخدمين من خلال الكاميرا، إذ يستخدم التطبيق نماذجَ دقيقةً، وثلاثية الأبعاد، لقطع الأثاث التي يرغب المستخدم في شرائها وتجربتها. تظهر هذه النماذج الافتراضية على المشهد الذي تعرضه الكاميرا عبر شاشة الهاتف، ويُصبح المستخدم قادرًا على التحكم في موضع هذه النماذج داخل الغرفة بشكل دقيق.
وكشفت أيكيا أن تطبيقها الجديد يعتمد على تقنية ARKit الثورية في عالم الواقع المُعزز، وهي تقنية ابتكرتها شركة آبل بقدرات متقدمة على تتبع العالم الواقعي عبر عدسات الكاميرا، مع التعرف على الأشياء والأشخاص بشكل دقيق يُسهل التفاعل مع البيئة الافتراضية التي تنسجها تقنية الواقع المُعزز. يُذكَر أيضًا أن تقنية ARKit يعتمد عليها نظام visionOS، وهو نظام تشغيل النظارة الأقوى على الإطلاق حاليًا في مجال الواقع المُعزز والواقع الهجين (MR).
وتفخر أيكيا بدقة التطبيق التي تصل إلى 98%، ما يعني أن المشهد النهائي الذي يحصل عليه المستخدم بعد تجربة الخدمة سيكون مُطابقًا للواقع بنسبة 98%. هذه الدقة من شأنها أن تُقدم تجربة استخدام مختلفة كليًا في مجال تجارة الأثاث؛ إذ يُمكن للعميل الاستعانة بهذه التقنية في بناء تصور كامل للتصميمات الداخلية الخاصة بالمنزل قبل الشراء مباشرةً.
حققت أيكيا هذه النسبة الدقيقة بفضل اعتمادها على تقنية ARKit، والتي تتعرف بدقة على كافة عناصر الغرفة مثل أنظمة الإضاءة. ولهذا؛ يعرض التطبيق أيضًا الظلال والانعكاسات الخاصة بالنماذج الافتراضية لتحقيق أعلى درجات الواقعية في الصورة النهائية التي يعرضها التطبيق. وكشفت أيكيا أيضًا أن نماذج الأثاث صُممت بدقة واحترافية عالية تجعل المستخدم قادرًا على رؤية أدق التفاصيل.
كيف استفادت أيكيا من تطبيق IKEA Place؟
ساهم تطبيق IKEA Place في تحسين مبيعات الشركة إلكترونيًا. ويُمكننا الاستدلال على ذلك من خلال مراجعة مبيعات الشركة في قطاع التجارة الإلكترونية، والتي شهدت زيادةً كبيرةً، ومستمرةً سنويًا، منذ إطلاق التطبيق في عام 2017. وطبقًا لإحصائيات Statista؛ سجلت المبيعات الإلكترونية لأيكيا قفزةً هائلةً تصل إلى 11.7 مليار دولار خلال عام 2021 فقط؛ مُقارنة بمبيعات عام 2017 قبل إطلاق التطبيق التي بلغت 2 مليار دولار فقط.
يُمكن أيضًا أن تساهم تقنية الواقع المُعزز في خفض نسب المرتجعات؛ وذلك بفضل التجربة الافتراضية الدقيقة التي تُمكن المستخدمين من فحص ومعاينة الأثاث قبل الشراء. فمن المستبعد الآن أن يُصاب العملاء بالإحباط بعد شراء المنتجات، وهي مشكلة شائعة عمومًا في مجال التجارة الإلكترونية بسبب الفجوة الكبيرة بين توقعات العميل وخصائص المنتج الفعلية.
وتُعزز هذه التقنية التفاعل بين العملاء والعلامة التجارية؛ إذ تحاكي تفاعل العميل مع المنتجات التي يرغب في شرائها بالمتاجر المادية، ما يرفع من ثقة العملاء في تجربة التسوق، بالإضافة إلى إزالة أي شكوك حول شراء منتجات غير مناسبة.وفي دراسة أجرتها سيلجن أوزتركشان، أستاذ التسويق في كلية إمليون الفرنسية لإدارة الأعمال، حول استخدام أيكيا لتقنية الواقع المُعزز في تطبيق IKEA Place؛ ذكرت أوزتركشان أن التطبيق قدَّم دفعةً تسويقيةً كبيرةً إلى شركة IKEA. وذلك بعد قفزة واضحة في توجهات بحث جوجل على كلمة (IKEA) خلال الفترة بين سبتمبر ونوفمبر 2017، وهي الفترة التي أعقبت إطلاق التطبيق مباشرةً.
التحديات القائمة أمام تفعيل هذه التقنية
رغم النجاح الكبير لاستخدام هذه التقنيات في مجال التجارة الإلكترونية؛ تواجه الشركات بعض التحديات لتفعيلها بشكل واسع في المتاجر الإلكترونية. وحتى أيكيا لم تتمكن من تقديم هذه الخدمة لكافة منتجاتها على المتجر الإلكتروني؛ إذ تعمل خدمة الواقع المُعزز في تطبيق IKEA Place على مجموعة معينة من المنتجات التي اختارتها أيكيا.
يكمن التحدي الرئيسي لتطبيق هذه الخدمة على نطاق واسع في العقبات التقنية التي تواجه الشركات والمطورين. ومع ذلك؛ تحاول المنصات الكبرى في مجال التجارة الإلكترونية، مثل شوبيفاي، تقديم حلولًا وتسهيلات إلى المستخدمين لتفعيل هذه الخدمة.
على سبيل المثال؛ تُقدم منصة شوبيفاي تقنيةً متقدمةً لمسح المنتجات بشكل ثلاثي الأبعاد، وذلك من خلال أداة 3D Scanner الموجودة في تطبيق المنصة. ولكن تعمل هذه الأداة على أجهزة آبل الحديثة فقط؛ فئة الـ Pro والـ Pro Max؛ بدءًا من آيفون 12 برو، وiPad 2021 شرط أن يكون نظام التشغيل مُحدثًا إلى iOS17 وiPadOS17 على الأقل.
تظهر بعض التحديات الأخرى أيضًا بسبب مقاومة بعض العملاء للتقنيات الحديثة؛ فمن المحتمل أن يجد بعض المستخدمين صعوبات في استخدام هذه التقنية. وهو ما يُضيف عبئًا إضافيًا على الشركات لتدريب عملائها على التقنية الجديدة، أو حتى تقديم الخدمة بشكل تدريجي ليعتاد المستخدمين عليها. وفي النهاية؛ تُحدد كل شركة الاستراتيجية المناسبة لتفعيل هذه الخدمة طبقًا لطبيعة عملائها، وقدرتهم على التكيف مع التقنيات الحديثة.
التكامل مع الذكاء الاصطناعي
في عام 2019، وبعد عامين من إطلاق التطبيق؛ أعلنت أيكيا وصول خدمات الذكاء الاصطناعي إلى IKEA Place. وكانت تقنيات الذكاء الاصطناعي آنذاك ما زالت في بداياتها، إذ بدأت ثورة الذكاء الاصطناعي فعليًا مع بداية عام 2023. وتُظهر هذه الخطوة مرونة تقنية الواقع المُعزز في التكامل مع الذكاء الاصطناعي؛ خاصةً بعد أن أصبح اداةً أساسيةً في جميع المجالات.
يُقدم الذكاء الاصطناعي في تطبيق IKEA Place رؤًى جديدة لترتيب الأثاث داخل الغُرف؛ ما يجعله بمثابة مصمم داخلي بسيط وسهل الاستخدام. ويتميز التطبيق بعرض التصميمات المقترحة بشكل مباشر ودقيق باستخدام تقنية الواقع المُعزز، ما يوفر الكثير من الجهد والوقت للعملاء خلال تجربة التسوق عبر التطبيق.
استخدمت أيكيا الذكاء الاصطناعي أيضًا في تطوير منظومتها للواقع المُعزز بشكل كبير؛ إذ أطلقت الشركة تطبيق IKEA Kreativ في عام 2022 لتقديم تجربة جديدة قائمة على تقنيات الواقع الهجين (MR) والذكاء الاصطناعي. وتعمل هذه التقنيات عبر منصة افتراضية تحاكي الأنماط المختلفة للغرف والمساحات الداخلية؛ إذ تُتيح للمستخدم عرض العديد من التصميمات الداخلية المُعدة مُسبقًا والتعديل عليها، كما تُتيح له أيضًا تصميم رؤيته الخاصة.
وتُقدم أيكيا أيضًا خدمات متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التعديل على مشهد الواقع المُعزز المعروض داخل التطبيق. وذلك من خلال تقنية تعمل على مسح الغُرف بدقة عبر مستشعر الـ LiDAR الموجود بهواتف آبل المتقدمة لقياس العمق. بهذه الطريقة يُمكن للتطبيق إنشاء نموذج افتراضي للغرفة قابل للتعديل بشكل كامل، إذ يُصبح المستخدم قادرًا على إزالة بعض قطع الأثاث من النسخة الافتراضية لغرفته؛ لاستبدالها بمنتجات أخرى من أيكيا.
لا شك أن تقنية الواقع المعزز أحدثت ثورة حقيقية في مجال التجارة الإلكترونية؛ فقد ارتقت بتجربة المستخدم في المتاجر الإلكترونية لتصبح قريبة جدًا من تجربة التسوق في المتاجر التقليدية. وكما نوصي دائمًا بمتابعة أحدث التطورات التقنية في عالم التجارة الإلكترونية؛ نشدد بشكل خاص على أهمية تبني تقنيات الواقع المعزز، والتي قد تصبح من أهم الاتجاهات التقنية في المستقبل القريب.