كيف تؤثر الخصومات على سلوك المستهلك؟

أثر التخفيضات والعروض على سلوك المستهلك
التخفيضات والعروض وأثرها على سلوك المستهلك

لطالما كانت التخفيضات أداة فعّالة في التأثير على قرارات الشراء لدى العملاء، خاصةً في المناسبات الكبرى، مثل  الجمعة السوداء التي ارتفع بها مبيعات أمارون في عام 2023 بنسبة مذهلة بلغت 203% في ألمانيا و133% في فرنسا وفقًا لموقع Statista. هذه الأرقام تؤكد أن التخفيضات ليست مجرد تخفيض للأسعار، بل استراتيجية تسويقية تلامس سلوك المستهلك نفسيًا، محفزة إياه على الشراء.

في هذا المقال، نستعرض كيفية استغلال التخفيضات بشكل مدروس لتعزيز الأرباح. ونناقش تأثيرها على سلوك العميل مع تقديم أمثلة حية واستراتيجيات فعّالة تناسب مختلف الأنشطة التجارية.

التخفيضات وتأثيرها على سلوك المستهلك

تستهدف  استراتيجية التخفيضات  تكوين قاعدة عملاء أوفياء على المدى الطويل. كما تقدم أفضلية تنافسية كبيرة وسط المنافسة الهائلة في مجال التجارة الإلكترونية.

في إحصائية  من موقع شوبيفاي؛ حقق أكثر من 55 ألف تاجر أعلى مبيعات لهم على الإطلاق على المنصة خلال عام 2023 في تخفيضات الجمعة السوداء. وعلى جانب العملاء، أظهرت دراسة أن الخصومات تؤثر على قرارات شراء 75% من المتسوقين الأمريكيين عبر الإنترنت في عام 2023. 

إحصائية زيادة المبيعات عبر الإنترنت على أمازون خلال يوم الجمعة السوداء - المصدر: Statista 

في الواقع، التخفيضات لا ترفع المبيعات بسبب حاجة العملاء للمنتجات فقط، بل تؤثر نفسيًا على سلوك الشراء؛ إذ تخلق شعورًا بالندرة وأهمية المنتج، ما يحفزهم على الشراء. كما تضفي التخفيضات حماسًا وتزيد تفاعل العملاء مع المتجر، فيشعر العميل أنه حقق صفقة رابحة عند الشراء بسعر أقل.

أفضل استراتيجيات التخفيضات

تتنوع استراتيجيات التخفيضات وفقًا لطبيعة الأنشطة التجارية المختلفة وخصائص الشريحة المستهدفة، حيث تسعى كل استراتيجية إلى تلبية احتياجات وأهداف محددة. يمكنك اختيار استراتيجية التخفيضات الأنسب لمتجرك وفقاً لما يلي:

اشترِ واحدًا واحصل على الآخر مجانًا (BOGO)

تعتمد فكرة تلك الاستراتيجية على تعويض تكلفة المنتج المجاني عبر زيادة حجم المبيعات وهامش الربح لكل منتج. ويرتبط نجاح تلك الاستراتيجية بطبيعة نشاطك التجاري، حيث تناسب السلع منخفضة ومتوسطة القيمة، مثل المواد الغذائية، الأدوات المكتبية والمدرسية، مستحضرات التجميل والعناية الشخصية. بينما لا تصلح للمنتجات باهظة الثمن كالأجهزة الإلكترونية، والصناعات الدقيقة ذات التكلفة المرتفعة.

تحتاج استراتيجية BOGO إلى تخطيط مسبق؛ حيث يًنصح بتقدير حجم المبيعات المتوقعة لضمان توفر المخزون الكافي، وحساب هامش الربح لتفادي الخسائر. يمكن تطبيق الاستراتيجية على المنتجات الرائجة والراكدة، كما أنها فرصة مثالية لاختبار إقبال العملاء على المنتجات الجديدة. ولتعزيز فعالية العروض، يمكن استخدام عبارات تحفيزية مثل «عرض لفترة محدودة» أو «حتى نفاذ الكمية».

الحزم المُجمعة (Bundling) 

البيع المجمع هو استراتيجية تقديم المنتجات في حزم متكاملة بأسعار تنافسية، بحيث يكون السعر الإجمالي للحزمة أقل من مجموع أسعار مكوناتها منفردة. تناسب هذه الاستراتيجية غالبية المجالات كالأثاث والإلكترونيات، كما تناسب السلع منخفضة ومتوسطة القيمة أيضًا. 

تزيد هذه الطريقة من قيمة المبيعات وتصريف المخزون الراكد عبر دمج المنتجات ذات الإقبال الضعيف مع المنتجات ذات المبيعات العالية، ما يساعد في الترويج للمنتجات التي لم تحظ باهتمام كافٍ من العملاء. وتعتمد فعالية الحزم المُجمعة على دمج المنتجات المتكاملة وظيفيًا  لجذب العملاء لشرائها معًا، مثل تقديم حزمة للعناية بالشعر تضم الشامبو والبلسم والكريم مع ملحقات مثل مشط أو حقيبة صغيرة.

العروض الفورية (Flash Sales)

تعتمد العروض الفورية على تقديم تخفيضات ضخمة لمجموعة مختارة من المنتجات خلال فترة زمنية قصيرة. ويعلن المتجر عنها بشكل مفاجئ، ما يخلق شعورًا بالإلحاح لدى العملاء للشراء السريع قبل نفاد الكمية أو انتهاء مدة العرض. ويمكن اعتبار تخفيضات البلاك فرايداي أبرز مثال على تلك الاستراتيجية.

ننصح بتحديد مدة العروض الفورية بين 24 إلى 72 ساعة لتحفيز العملاء على الشراء. ومن الأفضل اختيار منتجات العرض، من المخزون الفائض، والمنتجات الأكثر رواجًا، أو الإصدارات المحدودة. ورغم اعتماد تلك الاستراتيجية على عنصر المفاجأة، فمن الأفضل الإعلان عنها قبل يوم على الأقل لضمان وصولها للجمهور المستهدف.

الاشتراكات

تعتمد استراتيجية الاشتراكات - التي يُعد برنامج «اشترك ووفّر» من أمازون نموذجًا رائدًا لها - على منح العميل خصمًا مستمرًا مقابل التزامه بشراء منتج معين بشكلٍ دوري. تستهدف هذه الاستراتيجية السلع التي يحتاجها العملاء بانتظام، مثل مواد التنظيف ومستحضرات العناية الشخصية والمواد الغذائية.

يختلف نظام تسعير الاشتراكات حسب نوع المتجر ومنتجاته. فعلى سبيل المثال، متاجر المواد الغذائية يلائمها الاشتراك الأسبوعي أو الشهري، في حين تحتاج متاجر مستحضرات العناية الشخصية لنظام مرن يمتد من شهرين إلى ثلاثة أشهر وفقًا لحاجة العميل. وننصح بتقديم خصومات مدروسة ومتزايدة تدريجيًا لتشجيع العملاء على الاستمرار وبناء قاعدة وفية للعلامة التجارية على المدى الطويل.

القسائم (Coupons)

تحتل القسائم الرقمية مكانة محورية في عالم التخفيضات في الوقت الحالي، حتى أصبحت هناك منصات متخصصة في تجميعها وتقديمها للعملاء. وتؤكد الإحصاءات هذا التحول، إذ تراجع استخدام القسائم الورقية بنسبة 43.6% بين 2019 و2021، في حين ارتفع الإقبال على القسائم الرقمية بنسبة %11.9.

تمتاز القسائم الرقمية بمرونتها في التكامل مع مختلف أنواع التخفيضات، بالإضافة إلى فاعليتها في استعادة العملاء غير النشطين وأصحاب السلة المتروكة. وتخلق هذه القسائم شعورًا خاصًا بالتميز لدى المشتركين والعملاء الجدد. ولتحقيق أفضل النتائج، ننصح بتحديد تاريخ انتهاء للقسائم للتحفيز على الشراء السريع. ذلك بجانب نشرها عبر قنوات التسويق الأكثر متابعة من قبل عملاء المتجر.

أهمية التوقيت المناسب للتخفيضات

يرتبط نجاح التخفيضات على اختيار التوقيت المناسب لتفعيلها، حيث يجب أن تراعي الثقافة المحلية واحتياجات العملاء الموسمية. فعلى سبيل المثال، أصبحت الجمعة السوداء ظاهرة تسويقية عالمية بفضل نجاحها الكبير؛ التي نشأت في الأساس بالولايات المتحدة عقب عيد الشكر لتلبية الطلبات المتزايدة على التسوق لموسم عيد الميلاد.

وعلى المستوى المحلي، تختلف المواسم المثالية للتخفيضات حسب نوع المتجر على النحو التالي:

  1. متاجر الحقائب والأحذية والمستلزمات المكتبية تستهدف موسم العودة للمدارس ومنتصف العام الدراسي
  2. متاجر المواد الغذائية تستهدف شهر رمضان والأعياد وبداية كل شهر في العام مع نزول المرتبات
  3. متاجر الملابس والحُلي تستهدف الأعياد السنوية ومواسم السنة مثل الصيف والشتاء
  4. متاجر مستلزمات المطبخ تستهدف رمضان والأعياد وعيد الأم

ذلك بالإضافة إلى الأعياد المحلية، مثل اليوم الوطني السعودي. فوفقًا لجوجل ازداد بحث السعوديون عن التخفيضات والخصومات بنسبة 25% على أساس سنوي في هذا اليوم. وشم النسيم في مصر الذي ترتفع فيه مبيعات المواد الغذائية.

نستنتج من ذلك أن نشاطك التجاري هو الذي يحدد توقيت تطبيق التخفيضات؛ لأن الوقت الصحيح والمُخطط له بعناية، سيحقق لمتجرك أقصى استفادة، سواءً من حيث اهتمام العملاء أو زيادة المبيعات.

الشق السلبي للتخفيضات

للتخفيضات المتكررة تأثيرات سلبية متعددة على المتجر، إذ تؤدي إلى اعتقاد العملاء بانخفاض جودة المنتجات، أو أن الأسعار الأصلية مبالغ فيها. ثم أن التخفيضات الدائمة قد تدفع العملاء للشراء فقط في أثناء العروض. وقد تعكس صورة سلبية عن العلامة التجارية كمؤشر على عدم الثقة بجودة المنتجات.

ويوجد خطر محتمل في الاعتماد المفرط على التخفيضات المستمرة؛ إذ تجذب هذه الاستراتيجية فئة من العملاء المهتمين بالسعر المنخفض فقط دون الجودة. أدى التضخم العالمي وارتفاع الأسعار إلى دفع 60% من المتسوقين للبحث عن المزيد من التخفيضات، وفقًا لتقرير "Vericast". لذا، يمكنك المحافظة على عملائك عبر تقديم تخفيضات مدروسة على المنتجات عالية الجودة والأكثر مبيعًا.

ولضمان فعالية التخفيضات وتجنب آثارها السلبية على متجرك، احرص على استخدامها بحكمة. فالإعلان المستمر عن التخفيضات قد يؤدي إلى إحباط العملاء الذين دفعوا السعر الكامل. ثم أن تكرارها في أوقات متوقعة أو على منتجات معينة يقلل من تأثيرها. لذا، يُنصح بالتنويع في أساليب الترويج، كإضافة الهدايا، وتقديم الشحن المجاني، وتوزيع العينات التجريبية؛ لتجذب عملاء جدد وتعزز ولاء العملاء الحاليين.

من أخطر ممارسات المتاجر الإلكترونية هي «التخفيضات الوهمية»، حيث يرفع المتجر الأسعار بشكلٍ مُصطنع قبل تطبيق الخصومات ليوهم العملاء بوجود تخفيضات كبيرة. يتسبب هذا السلوك بجميع أضرار التخفيضات غير المدروسة للمتجر كما ذكرنا، بالإضافة إلى فقدان ثقة عملائه المخلصين. 

وتتسبب التخفيضات الوهمية أيضُا في خطر مشاركة العملاء لتجاربهم السلبية على منصات التواصل الاجتماعي. ويؤثر ذلك سلبًا على سمعة العلامة التجارية ومبيعاتها المستقبلية. لذا، ننصح بتجنب ذلك النوع من الممارسات الخادعة ليس فقط لأنه ضار بالمتجر لكنه غير أخلاقي أيضًا.

في النهاية، تُعد التخفيضات جزءًا لا يتجزأ من المنظومة التسويقية المتكاملة، حيث تتناغم مع عناصر أساسية أخرى مثل خدمة العملاء المميزة التي تعزز نجاح متجرك الإلكتروني. ويمكن تحقيق النتائج المرجوة عبر تطبيق استراتيجيات تسويقية مدروسة تتناسب مع طبيعة نشاطك وتخدم أهدافك القريبة والبعيدة.